تعتبر العلاقات بين إيران والمغرب من العلاقات التي تتسم بالتوتر والتعقيد، والتي تتداخل فيها الأبعاد السياسية والدينية والجيوسياسية. مرت هذه العلاقات بفترات من التوتر الدبلوماسي والاتهامات المتبادلة، وخصوصًا بعد قطع المغرب علاقاته مع إيران في عام 2018 بسبب اتهامات تتعلق بدعم طهران لجبهة البوليساريو في النزاع حول الصحراء الغربية. في هذه المقالة، سنستعرض
أهم محطات العلاقات بين البلدين، أسباب التوتر، المحاولات المحتملة للتقارب، والتحديات التي تواجه هذه العلاقة.
1. خلفية تاريخية للعلاقات بين إيران والمغرب
لطالما كانت العلاقات بين البلدين متأثرة بالخلفيات الدينية والسياسية. إيران دولة ذات نظام إسلامي شيعي تأسس بعد الثورة الإسلامية عام 1979، بينما المغرب هو دولة ذات أغلبية سنية ويملك نظام ملكي دستوري تقليدي. هذا الاختلاف الديني شكل أحد أوجه التوتر بين البلدين، خاصة مع توسع النفوذ الإيراني في بعض الدول العربية عبر دعم جماعات ذات توجه شيعي أو حركات إسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين.
2. النزاع حول الصحراء الغربية وجبهة البوليساريو
الصحراء الغربية هي منطقة متنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي تطالب بالاستقلال. المغرب يعتبر الصحراء الغربية جزءًا من أراضيه، بينما تحظى جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر، كما اتهم المغرب إيران بدعم هذه الجبهة من خلال تحالفها مع حزب الله اللبناني. هذا الاتهام كان محورًا رئيسيًا لتدهور العلاقات بين إيران والمغرب، حيث اعتبر المغرب أن دعم إيران لجبهة البوليساريو يشكل تهديدًا لأمنه القومي.
3. قطع العلاقات الدبلوماسية في 2018
في مايو 2018، قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، متهما طهران بدعم البوليساريو، وهو القرار الذي تبنته غالبية الدول التي تدعم المغرب في نزاع الصحراء. إيران نفت تلك الاتهامات، ولكن التوتر استمر وتصاعدت التصريحات بين الطرفين، مما أثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية والثقافية بين البلدين.
4. الأبعاد الدينية والسياسية
يختلف النظام السياسي والديني في كل من إيران والمغرب بشكل كبير. إيران تعتمد على نظام جمهوري إسلامي شيعي يقوده المرشد الأعلى، بينما المغرب يحتفظ بملكية دستورية ويعتبر الملك “أمير المؤمنين”، زعيمًا دينيًا وسياسيًا للسنة في البلاد. هذا التباين الديني جعل المغرب حذرًا من محاولات إيران التأثير في الدول ذات الأغلبية السنية، خاصة عبر دعم بعض الجماعات الإسلامية.
5. المحاولات المحتملة للتقارب
في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض المؤشرات على رغبة من الطرفين في تخفيف التوتر. في 2024، أبدت إيران رغبة في تحسين العلاقات مع المغرب وغيرها من دول المنطقة. المغرب بدوره وضع شرطًا أساسيًا للتقارب، وهو اعتراف إيران بسيادته على الصحراء الغربية، وهو مطلب أساسي يصعب تجاوزه في المدى القصير.
6. التحديات التي تواجه العلاقة
رغم الرغبات الرسمية، هناك العديد من العقبات أمام تحسين العلاقات، منها:
-
استمرار إيران في دعم حلفائها الإقليميين الذين لا تتفق معهم الرباط.
-
دعم إيران لبعض الجماعات الإسلامية في المنطقة والتي تعتبرها المغرب تهديدًا لأمنها.
-
الاختلافات الأيديولوجية والسياسية العميقة بين النظامين.
-
تأثير التوترات بين إيران والدول العربية الأخرى على المغرب.
7. الأبعاد الإقليمية والدولية
العلاقة بين إيران والمغرب لا تنفصل عن السياق الإقليمي. النزاع في سوريا، اليمن، لبنان، والعراق، بالإضافة إلى المنافسة بين إيران والسعودية ودول الخليج، تؤثر على السياسات الخارجية لكلا البلدين. المغرب يسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع دول الخليج والغرب، بينما إيران تمارس سياسة دعم حلفائها في مواجهة تلك الدول.
تبقى العلاقة بين إيران والمغرب معقدة ومليئة بالتحديات، تتداخل فيها القضايا الدينية، السياسية، والأمنية. على الرغم من وجود مؤشرات على رغبة في تحسين العلاقات، فإن الخلافات حول الصحراء الغربية ودعم إيران لبعض الحركات الإقليمية تمثل عقبة كبيرة أمام التقارب. يبقى مستقبل العلاقات بين البلدين مرتبطًا بالتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، ومدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات والعمل على بناء ثقة متبادلة.